١- تفسير سورة البقرةالاية ١ - ٥ الشيخ د.عثمان الخميس

إقرأ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مساكم الله بالخير جميعاً. 

انا آسف على الغياب لمدة أسبوعين بسبب السفر، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا دائماً على الخير وكما جمعينا في هذا المكان المبارك أن يجمعنا {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر} اللهم آمين.

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ولي الصالحين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا وإمامنا وحبيبنا وقرة عيننا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد فنكمل ما بدأناه من الكلمات في تفسير كتاب الله تبارك وتعالى وتم الكلام لما يسر الله جلّ وعلا عن سورة الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله تبارك وتعالى، ونبدأ مع سورة البقرة؛ أسأل الله تبارك وتعالى أن يتمم لنا مرادنا.

سورة البقرة التي سماها النبي صلى الله عليه واله وسلم سنام القرآن أي أعلا ما في القرآن، وسنام الشيء أعلاه، وهذه السورة العظيمة سورة البقرة قال عنها النبي صلى الله عليه واله وسلم (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) وهذا أخرجه الإمام مسلم في صحيحه؛ وقال صلى الله عليه واله وسلم، (فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَأُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) تصوروا تأتي هاتان السورتان كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما صفوان من طير يرفرف، يغطي بجناحه تحاجّان عن أصحابهما؛ اقرأوا البقرة فإن اخذها بركة وإن تركها حسرة ولا تستطيعها البطلة، البطلة هم سحرة أي لا تستطيعها السحرة. 

وقد سَمعت أخي الشيخ نواف سالم بن قرم حفظه الله تبارك وتعالى يُحدث عن امرأة حاول بعضهم أن يؤذيها عن طريق السحرة فذهب إلى أحد السحرة وطلب منه أذيتها فوعده شراً فلما جاءهم إلى اليوم التالي قال: لا أستطيع فقال أنا جديد على المهنة الخبيثة ولكن اذهب إلى الساحر فلان فإنه يستطيع ذلك، يقول: فذهب إلى الساحر الثاني وقال: أمهلني ولكن هذا يكلفك مبلغاً وقدره فقال: لا بأس، فذهب إليه قال: انتظر حتى آتيك بالخبر، ثم لما رجع إليه قال: لا أستطيع، ولكن اذهب إلى الساحر فلان فإنه أقوى مني، فذهب إلى الساحر الثالث فكلّمه وطلب منه مبلغاً من المال فقال: نعم ثم قال: أمهلني فلما جاءه قال: أرسلت إليها المردة وهم عفاريت الجن بل أقوى من العفاريت، قال: أرسلت إليها المردة فما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً، ولا أنصحك أن تذهب إلى غير قال: لماذا؟ قال: لأنها في كل ليلة تقرأ سورة البقرة ولا نستطيع عليها أبداً فإن هذه وأمثالها لا نقدر عليها.

وهذا حق وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم، صحة القصة أو لم تصح، يكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تستطيعا البطلة أي السحرة. قال لا يستطيعون على هذه السورة.

وجاء في فضل آياتٍ من هذه السورة كما في حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه بينما هو جالس مع أصحابه صلى الله عليه واله سلم إذ نزل إليه ملك أو فتح باب من السماء فنزل إليه ملك فقال: (فَجَاءَ الْمَلِكُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيُّ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمْ يُقْرَأْ حَرْفٌ مِنْهَا إِلَّا أُوتِيتُهُ) ويكفينا أن فيها أعظم آية في كتاب الله تبارك وتعالى ألا وهي آية الكرسي هي من ضمن سورة البقرة، هذه السورة العظيمة التي هي سنام القرآن كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه السورة العظيمة ينبغي على المسلم أن يحرص على قراءتها وفهمها وحفظها وتدبرها وتكرارها وقراءتها في البيت فإنها سورة مباركة وكل القرآن مبارك.

نبدأ بحول الله تبارك وتعالى في الكلام عن هذه السورة المباركة ألا وهي سورة البقرة، سميت سورة البقرة بهذا الاسم لأنه ذكر فيها قصة موسى مع بني إسرائيل حول البقرة لما قال: بنو إسرائيل لموسى عليه الصلاة والسلام {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين} [سورة البقرة:67] وإن شاء الله تعالى إذا وصلنا إلى هذه الآية سنتكلم عن تفاصيلها، ولكن القصد أنه سميت سورة البقرة بهذا الاسم للقصة التي وقعت لموسى عليه الصلاة والسلام مع قومه في قصةِ البقرة التي سيأتي ذكرها إن شاء الله تبارك وتعالى. 

سورةُ البقرة هي أطول سورة في كتاب الله تبارك وتعالى، وفيها أطول آية في كتاب الله تبارك وتعالى وهي آية الدين، هذه السورة تفتتح بقول الله تبارك وتعالى: {الم} [سورة البقرة:1] وطريقة قراءتها أن تمد اللام ست حركات وتمد الميم ست حركات {الــم} هذه القراءة الصحيحة ان تمد اللام ست حركات ثم تدغم بالميم ويعطى الإدغام الغنّة ثم بعد ذلك تُعطى الميم ست حركات، هذه القراءة الصحيحة لهذه الآية و "أ" "ل" "م" هنا في هذه الآية "أ" "ل" "م" هذه الأحرف اختلف فيها أهل العلم، ما المراد بهذه الأحرف؟ فبعض أهل العلم قال: هذه الأحرف هي اسم للسورة، كل سورة بدئت بأحرف وهذه الأحرف هي عبارة عن اسم لهذه السورة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: )اقرأوا الم السجدة) فسماها الم فقالوا "هذا اسمها" فقالوا: "هذا اسم للسورة" وبعض أهل العلم قال: لا الم هذه أحرف الله أعلم بمعناها لها معنى مراد من الله تبارك وتعالى ولكننا لا نفهم من المتشابه الذي أمر الله بالإيمان بهِ وإن لم نَعرف معناه، كما قال الله سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [سورة آل عمران:7] قالوا: هذه من المتشابه التي لا نعلم معناها. وذهب بعض أهل العلم إلى أن {الم} لا معنى لها في ذاتها، لأنها ليست بكلمات وإنما هي أحرف وإنما لها دلالة، ودلالتها التحدي وهو أن الله تبارك وتعالى يقول: {الم}، أليست هذه أحرفكم؟ أليس كلامكم مكون من هذه الأحرف؟ "أ" "ل" "م" "ت" "ب" "ث" "ح" هذه أحرفكم التي تتكلمون بها والقرآن مكون من هذه الأحرف فأتوا بقرآن مثله، "ا" "ل" "م" هذه كلامكم أنتم تتكلمون بهذه الأحرف لم نأتيكم بلغة جديدة، ما أتاكم محمد صلى الله عليه وسلم وتحداكم بلغة لا تعرفونها، ولكن هذه لغتكم التي تتكلمون بها، {الم}{حم} {عس} {طس} {الر} {ق} {ن} {ص} هذه أحرفكم وهذه لغتكم ولذلك جل السور التي تُذكر فيها هذه الأحرف في بدايتها يأتي بعدها ذكر القرآن الكريم مثل هذه السورة. {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [سورة البقرة:2]  {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين}  [سورة يوسف:1]  {المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين} [سورة الأعراف:2] ، وهكذا تأتي هذه الأحرف يأتي بعدها ذكر القرآن الكريم ليقول إن القرآن الكريم الذي تحداكم الله بهِ إنما هو من هذه الأحرف التي تتكلمون بها، فهي لا معنى لها في ذاتها وإنما لها دلالة التحدي، لأن الله تبارك وتعلى كما تعلمون تحداهم في أن يأتوا بقرآن مثله، تحداهم في أن يأتوا بعشر سورٍ مثله، تحداهم فيه بأن يأتوا بسورةِ من مثله، والآن يقول: لهم "وهذا الذي اتحداكم به هو الأحرف التي تتكلمون به وأنتم تقولون: نحن أهل البيان" فإن كنتم كما تقولون أو كما تدعون أنكم أهل البيان فأتوا بمثله وهذه معجزة خالدة إلى اليوم يُتحدى من غير المسلمين ومن الإنس ومن الجن بأن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم، ولن يستطيعوا أبداً

{الم} أحرف لا معنى لها في ذاتها وإنما لها دلالة، ثم قال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} والكتاب قيل "ذلك" إشارة إلى البعيد فالمقصود الكتاب جنس الكتاب وهي الكتب المنزلة من عند الله تبارك وتعالى كالتوراة والإنجيل والزبور والصحف وغيرها، أي الكتب السابقة.

 {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} وقيل ذلك أي القرآن الكريم الذي جاء به محمد صلى الله عليه واله وسلم، كما قال: )إنني أنا ذلك) يعني تأتي إلى الإشارة للقريب فقال ذلك الكتاب أي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي عليه أكثر المفسرين أن ذلك تعود إلى القرآن الكريم، ولذلك قولنا {الم} أو {الر} {المر} {ص}  {ق} هي دلالة على القرآن الكريم يعني أتى بعدها ذكر القرآن الكريم، فقال: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينِ} وهنا في الوقف عند أهل العلم بعض أهل العلم يرى أنك تقرأ {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ} وتقف عندما تقول ذلك الكتاب كأنك تقول أي مقدم على سائر الكتب، هذا هو الكتاب الحق، كما تقول هذا هو الفارس كأنك تقول ما في فارس غيره، أو هو أقوى فارس أو أحسن فارس، ذلك الشاعر أي هذا هو الشاعر وغيره أقل وهكذا.

 عندما تقول { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} أي لا شك هذا هو الكتاب لأنه كتابٌ مُعجِز أتى به النبي صلى الله عليه واله وسلم من ربه تبارك وتعالى، ثم تبدأ {فيه هدى للمتقين} أي في هذا الكتاب هدى للمتقين أو أن تقرأ { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} وتقف ثم تقول {هدى للمتقين} فيجوز هذا ويجوز هذا، ويجوز أن تقف عند {ذَلِكَ الْكِتَابُ} كما قولنا للمدح {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين} [سورة البقرة:2] على كل حال {لا رَيْبَ} أي لا شك، والكتاب هو القرآن الكريم {لا رَيْبَ} أي لا شك فيه ولا ارتياب أبداً لا يستطيع أحداً أن يشكك فيه، لا في أخباره ولا في فصاحته، ولا في تناغمه أبداً ولا في نحوه، ما يستطيع أحد أن يشكك في هذا القرآن الكريم، فكل ما أخبر به صدق ولذلك لما جاء أحد المشركين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما نزل قول الله تبارك وتعالى: {غُلِبَتِ الرُّوم  فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون} [سورة الروم:3] فلما قال: الله ذلك سبحانه وتعالى جاء أحد المشركين لأبي بكر الصديق وقال: إن ربك يقول {غُلِبَتِ الرُّوم  فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون} لأنهم كسروا كسرة عظيمة، قال: نعم أراهنك أنهم سيغلبون لأن الله أخبر أنهم سيغلبون وهذا قبل النهي عن الرهان، فراهنه أبو بكر الصديق أنهم سيغلبون وتراهن معهم على ثلاث سنوات، أن بعد ثلاث سنوات إذا ما غُلبوا يدفع أبو بكر الصديق الرهان، وإذا غَلبوا المشرك يدفع الرهان، ثم رجع أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم قال: راهنت أحد المشركين على هذا الأمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زد المدة وزد الرهان، لأن الله قال: {في بضع سنين} والبضع من الثلاث إلى التسع قد لا تكون بعد ثلاث سنوات ارفع إلى ثلاث سنوات وزد الرهان، ففعل أبو بكر ورجع إلى المشرك وقال: زد الرهان وزد المدة قال المشرك نعم فزاد الرهان وزاد المدة.

الشاهد من هذا أن أبا بكر الصديق كان عنده ثقة بخبر الله تبارك وتعالى {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} [سورة فصلت:42] طالما أخبَر أنهم سيَغلبون إذاً سيغَلبون، وفعلاً زاد الرهان وزاد المدة وانتصرت الروم على الفرس بعد سبع سنوات لقول الله تبارك وتعالى: {غُلِبَتِ الرُّوم فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُون في بضع سنين}. فهو لا ريب في أخباره ولا ريب في أحكامه، لا ريب في فصاحته، لا ريب في بلاغته، لا ريب في نسق كلامه أبداً ما في ريب في هذا القرآن أبداً ولا شك، لا ريب فيه، ثم قال: {فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين} [سورة البقرة:2] فهو هدى للمتقين وهدى لغيرهم ولكن المتقين هم الذين يستفيدون من هذا الهدى أما غيرهم فلا يستفيد من هذا الهدى قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} [سورة الإسراء:82] فهو هدى للمتقين وعمى على غيرهم فيستفيد المتقون من هذا القرآن الكريم.

يقول الله تبارك وتعالى: {هدى} ولكن للمتقين الذين يريدون الهدى، الذين يطلبون الهدى يكون هدى لهم أما الذين يعرضون عنه ويصدون عنه ويردون فإنه عليهم عمى، وبذلك يخصرون والعياذ بالله وأما المتقون منهم فهذا نؤجله إن شاء الله تعالى إلى الجلسة القادمة، نقف هنا والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد 

شارك

التعليقات

يوسف ناصر
منذ سنة

يشيخ انا لا استطيع تشغيل الصوتيات، مقاطع فقط ارجو الحل
خالدة
منذ سنة

السلام عليكم وجزاكم الله خير لم اجد تفسير من اية ٢-٥ من سورة البقرة
عم كل كافر
منذ سنتين

شكراااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااالك