الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد فمازلنا مع سورة الفاتحة هذه السورة العظيمة التي هي أم القرآن وهي على قول جماهير أهل العلم هي التي لا تصح الصلاة إلا بها. لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ)، فالخداج غير تمام.
فهذه السورة تبدأ بقول الله تبارك وتعالى {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [سورة الفاتحة:2]، وقال بعض أهل العلم تبدأ بـ {ِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيم} [سورة الفاتحة:1] والصحيح أنها تبدأ بـ {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}، والحمد هو الثناء على الله تبارك وتعالى، وعندما نقول الحمد لله أي أن الحمد كله كائن لله سبحانه وتعالى.
وفرق أهل العلم بين الحمد لله وبين لله الحمد، لو قال لله الحمد، لكان لله الحمد ولغيره الحمد، ولكن لما قال الحمد لله قالوا دل هذا على أن الحمد كلهُ لله وحدهُ سبحانه وتعالى، ورب العالمين هو الله جل وعلا.
والرب تأتي على معانٍ في لغة العرب: تأتي الرب من التربية. ومنه قول الله تبارك وتعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم} ربائبكم يعني اللاتي تربونهن، ولذلك يقال لمن تربيه "إنه ربيبك" ولذلك يقال عن سلمة ابن أم سلمة يقال له "ربيب النبي" صلى الله عليه وسلم، لأن النبي تزوج ام سلمة وسلمة صغير فرباه النبي، لذلك يقال له "ربيب النبي" صلوات ربي وسلامه عليه، ويقال عن محمد بن أبي بكر الصديق "ربيب علي" لأنه مات أبو بكر ومحمد له من العمر سنتان ونصف تقريباً فرباه علي بن أبي طالب فيقال له "ربيب علي" فالربيب والربيبة هو الصغير الذي تربيه، يقال "ربيبك"، ومنه كلمة التربية لأن التربية من الإصلاح وهي إصلاح شأنه والرعاية له، ومنها قول العرب رببت الدلة أو رببت القِدر أو رببت الماعون أو شيء من ذلك أي أصلحته؛ فهذه كلها تأتي من الرب وهو الإصلاح والرعاية والعناية، وتأتي الرب بمعنى الملك، رب الشيء مالكه لذلك تقول "أنا رب البيت" أي مالك البيت والسيد المطاع فيه، تقول "أنا رب هذه المكتبة" أو " أنا رب هذه الدار" ومنها قول عبد المطلب لما دخل على أبرهة الحبشي لما طالبه بإبله فقال: "جئت تسألني عن الإبل ولم تسألني عن هدم البيت الذي قصدت، فقال: أنا ربُ البيت وللبيت رب يحميه" أي أنا صاحب الإبل.
وتأتي الرب بمعنى الملك المتصرف وهي في قول الله تبارك وتعالى {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}، وهي لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى، وإن كانت تصّدق على الله جميع المعاني هذه، فهو ربنا الذي يربينا سبحانه وتعالى بنعمه جلّ وعلا، وهو ربنا المالك لشؤننا كلها، وهو ربنا الخالق البارئ المتصرف جل وعلا.
{العالمين} قال بعض أهل العلم: العالمون هم الإنس والجن فقول الله {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}، أي رب الإنس والجن. وقال آخرون: لا بل الإنس والجن والملائكة. وقال غيرهم: لا العالمون هم الكل ما عدا الله، فيدخل فيه الإنس والجن والملائكة والطيور والشجر والحجر كلٌ ما عدا الله تبارك وتعالى وهذا أولا. فيقول رب العالمين: أي رب كل شيء سبحانه وتعالى.
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين الرَّحْمـنِ الرَّحِيم} [سورة الفاتحة:3] هذان اسمان لله جل وعلا اشتقا من صفة لله جلّ وعلا وهي صفة الرحمة، وأسماء الله سبحانه وتعالى كلها لها صفات، يعني ليس لله أسماء مجردة، نحن لنا أسماء مجردة يعني لا تدل على معاني أحياناً، وأحياناً تدل على معاني بخلاف ما هي عليه، يعني قد تجد إنسان اسمه صالح وهو ليس بصالح، وآخر اسمه خالد وهو ليس بخالد قطعاً قال تعالى { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُون} [سورة الأنبياء:34] ما في أحد مخلد؛ امرأة قد تكون اسمها هدى وهي أبعد ما تكون عن الهدى، وتكون أفسد إماء الله جل وعلا، فالقصد أن الأسماء قد تدل على المعاني وقد لا تدل. قد يكون اسمه صالح وهو صالح وقد يكون خلاف ذلك، ولعلكم تعرفون أنتم كثيراً من الناس واحد اسمه عادل وليس كذلك، وواحد اسمه عادل وهو كذلك، وواحد اسمه صالح وهو صالح، وواحد اسمه صالح وهو ليس بصالح، وهكذا.