هذه الكلمة اهدنا يقولها الصالح، وقد يقولها الطالح. طيب المهتدي أصلاً لماذا يقول اهدنا وهو مهتدي أصلاً، فهل يُقال هنا مثلاً: "أن قولنا اهدنا" ونحن مهتدون ولله الحمد والمنة، هل هذا تحصيل حاصل؟ أو أن المطلوب شيءٌ آخر؟.
يقول أهل العلمي: إن المطلوب شيءٌ آخر، ما هو المطلوب؟ قالوا: المطلوبُ ثبتنا على الهداية، نعم عندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم بل في كل ركعة قال تعالى {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم} [سورة الفاتحة:6] وهو سيد المهتدين صلى الله عليه وسلم، قالوا: ماذا يريد وهو مهتدي صلى الله عليه وسلم، قالوا يريد ثبتنا على الهداية، أو زدنا هداية، و قالوا: إن الإنسان عاملوٌ كادحٌ إلى أن يموت، كل ما انتهيت من عمل وبدأت في عمل سواء عمل بدني، عمل قلبي، عمل فكري، هذه أعمال كلها أعمال، وقد يُثاب الإنسان عليها، وقد يأثم، وقد لا يثاب ولا يأثم، لكن القصد أن الإنسان دائماً في عمل دائماً في عمل {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيه} [سورة الانشقاق:6] فالإنسان في هذه الحياة دائماً في عمل فإذا كان كذلك إذاً "أنا انتهيت من عمل سآتي إلى عملٍ آخر"، والعمل الآخر يحتاج أيضاً إلى هداية جديدة وهكذا.
ولذلك ناسب أن تتكرر هذه السورة في كل ركعة من الركعات لأنك في كل لحظة محتاج إلى أن تقول "اهدنا اهدنا اهدنا" أي ما سيأتي، ما مضى الحمد لله الإنسان اهتدى، طيب وما سيأتي؟ يطلب الهداية من الله سبحانه تعالى {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم} [سورة الفاتحة:6].
الصراط عند العرب هو الطريق، ولكن العرب كانوا لا يسمون كل طريق سراط، وإنما يخصون الطريق الذي جمع أوصافاً معينة باسم الصراط، وليس كل طريقٍ يُطلق عليه اسم الصراط. قالوا: "الصراط ما جمع ستة أوصاف" كانت العرب تقول عنه أن هذا صراط.
وقد يتساهل البعض في إطلاق كلمة الصراط على غيره ولكن في الجملة أنهم إذا أطلقوا السراط فيريدون ما جمع الأوصاف الستة، هذه الأوصاف أولاً أن يكون هذا الطريق مستقيماً؛ فالطريق المعوج لا تسميه العرب صراطاً وإنما تطلق الصراط على الطريق المستقيم.
الأمر الثاني: أن يكون هذا الطريق هو أقصر طريق، فلو وجدنا طريقين كلاهما مستقيم أحدهما تصل من خلاله بربع ساعة وآخر تصل من خلاله بنصف ساعة، الذي تصل من خلاله بربع ساعة هو الصراط وذلك ليس بصراط؛ أقصر طريق يوصلك هو الصرط، الثاني طريق ولكنه ليس بصراط أن يكون أقصر طريق.
أن يكون واضحاً فكل طريق واضح تقول عنه العرب: صراط. وإن لم يكن واضحاً فلا تسميه العرب صراطاً، كذلك أن يكون موصلاً للمقصود يعني لا تمشي في الطريق ثم تجد سد أمامك وانتهى الطريق ولم تصل إلى مرادك وانقطع. ارجع وشوف لك طريق ثاني هذا ليس بصراط. وإن كان في بدايته مستقيماً واضحاً ولكن ما أوصلك إلى مرادك فهذا ليس بصراط، لابد أن يوصلك إلى مرادك.
كذلك أن يكون واسعاً يعني يسع كل من يريد أن يسلكه لا يضيق بأهله، ولا يقال: "والله الطريق امتلأ الآن ولا في مكان لأحد شوف لك طريق ثاني" أبداً كل من أراد هذا الطريق فإنه يسعه، فتقول عنه العرب: أنه صراط.
الصفة السادة أن يكون متعيناً، يعني كأنه يقول لك: "أي طريق آخر تسلكه تضيع" لا يوصل إلا هذا الطريق أبداً.
فإن اجتمعت هذه الأمور الستة في الطريق قالت العربُ: هذا صرط؛ قد يقول قائل الآن: " إذا كان الصراط في الأصل يجمع هذه الصفات فلماذا وصف بالمستقيم؟" قالوا: "هذا للتأكيد أو لبيان أهم صفات هذا الصراط" وهي قضية الاستقامة أن يكون هذا الطريق مستقيماً.
إذاً نحن نطلب من الله تبارك وتعالى أن يهدينا الصراط المستقيم، هل أن يبين لنا أم أن يوفقنا؟ الاثنتين؛ فإننا نريد أن يبين لنا الطريق ثم بعد ذلك يوفقنا إلى سلوكه. فإذا اجتمعت هذه الأمور نجونا.
{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم} [سورة الفاتحة:6]، نقف هنا إن شاء الله تعالى ثم بعد ذلك نكمل الجمعة القادمة إن شاء الله تعالى، والآن نجعل المجال لكم للمشاركة تفضلوا.